سلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله ورضي الله عن صحابته أجمعين و بعد:
عرض كتاب لغة القرآن الكريم ( دراسة لسانية للمشتقات في الربع الأول) للدكتور بلقاسم بلعرج.
نشر: دار العلوم للنشر و التوزيع – الجزائر
في هذا العرض أحببت التعريف بأحد الكتب القيمة في مجال الدراسات اللغوية لأحد الأساتذة الجزائريين ( الدكتور بلقاسم بلعرج أستاذ اللغويات بجامعة عنابة و قالمة ( مدينتين متجاورتين بالشرق الجزائري ) فأقول :
إن القرآن الكريم هو النص المعجز ، عجز عن الإتيان بمثله أساطين الفصاحة و البلاغة و البيان ، و انبهروا ببنائه المنفرد، في حروفه و في مقاطعه و ألفاظه ، و في آياته و سوره ، تأملوه في كل ذلك ، فلم يجدوا كلمة نابية عن مكانها ، بل وجدوا اتساقا بهر العقول ، و نظاما و التئاما و إحكاما عجز عنه الناس ، و قد غدا مصدرا لكثير من الدراسات اللغوية و الإسلامية ، فهو مصدر التشريع بالدرجة الأولى ، و أول مصادر اللغة العربية بالدرجة الثانية ، يمثلها في أدق مستوياتها و أعلاها ، و بذلك صار الورد المورود للباحثين يجدون في اكتناه أسراره و بيان إعجازه ، فقد تحدث القدماء و المحدثون من نحاة و لغويين و مفسرين و نقاد و بلاغيين عن بلاغته و إعجازه و تحديه
".... غير أن كل دراسة لموضوع من موضوعاته ستبقى قاصرة عن الوصول إلى سمو الكتاب و عظمته ، إذ تبين لنا من خلال القراءة و المطالعة أن جل الذين عرضوا لدراسة النص القرآني ، غالبا ما يركزون على ما فيه من قضايا فكرية و دينية معززة ببعض التفسيرات اللغوية العابرة ، أما الجوانب اللغوية من صوت و صرف و تركيب و دلالة فيمرون عليها مرورا عابرا ، أو يتناولونها بكيفية لا تشفي غليلا ، و منه نرجو أن نكون بهذه الدراسة ، قد القينا بعض الضوء على جانب لغوي يعد أساسا في كل دراسة لغوية مهما كان منهجها و هدفها.
إننا كلما قرأنا القرآن الكريم لفت نظرنا بعض الخصائص الصرفية – إلى جانب الخصائص الصوتية و التركيبية، كإحلال بعض الصيغ محل بعض ....و منه كذلك التعبير أحيانا بالمشتق بدل الجامد ، كالنازعات و الناشطات ، و السابحات و السابقات و المدبرات و نحو ذلك ، و بالجامد بدل المشتق نحو وضع أسماء المعاني موضع المشتقات ، فيوصف بالمصدر كما يوصف بالمشتق قصد المبالغة و الاتساع في المعنى ، و نظير هذا كثير أيضا...
كل هذا و غيره من الدوافع المشجعة على دراسة المشتقات في إطار النص القرآني لنرى من خلاله تنوع دلالاتها و إسهامها في تغيير المعنى و تنويعه ، و إثراء اللغة ، بالإضافة إلى معرفة سر تبادل الصيغ في القرآن الكريم أو العدول من صيغة إلى أخرى .
و قد أدركنا مسبقا مدى صعوبة الدراسة ووعورة مسالكها ، فهي تتطلب صبرا و جلدا ، و عدة و عتادا في المجال العلمي و اللغوي و الثقافي ، و إحاطة بمجهودات القدماء و المحدثين نحاة و لغويين و مفسرين و بلاغيين حتى تأتي الدراسة مكتملة الجوانب مستفيدة من القديم و الحديث.
و قد أخذنا من المشتقات المشهورة – باستثناء المصدر و الفعل فهما مدروسان – عنوانا و مادة مركزين عليها دون غيرها من الصيغ الأخرى ، و مستفيدين من الدراسات التي تناولتها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ، و جعلنا الفعل أصلا لها – تغليبا – لكون معظم هذه المشتقات صفات ، و الصفة أقرب إلى الفعل منها إلى الاسم ، و سلكنا في هذه الدراسة منهج الوصف و التحليل و التعليل ، بالإضافة إلى الإحصاء و المقارنة.
و كانت طرافة الموضوع و شغفنا به سببا في تذليل كثير من الصعوبات و العوائق، و اقتضت الدراسة أن تكون في مقدمة و خمسة فصول و خاتمة".
ذكر في المقدمة أهمية الموضوع و سبب اختياره له ، و الصعوبات التي واجهته ، و المنهج الذي سلكه في الدراسة ، و خصص التمهيد للتأسيس النظري فعرض فيه لأهمية الدراسات اللغوية للقرآن الكريم ، و الاشتقاق و أقسامه عند القدماء و المحدثين و أهميته في إثراء اللغة ، و آراء العلماء في أصل المشتقات مع ترجيح ما رآه صائبا ، و سرد أمثلة عن الذين كتبوا في الاشتقاق قديما و حديثا و ابرز دور الصيغة في اللغة العربية.
فمما جاء في التمهيد " إن دراسة الصيغ في العربية تخضع في اغلب الأحيان للسماع الذي يجعل القواعد شبه معدومة ، و هو ما تفسره كثرة الشذوذ و كثرة التعقيد أحيانا ، و على الرغم من ذلك فإننا إذا تتبعنا تاريخ العربية ، و جدنا القدماء قد طبقوا في دراساتهم اللغوية وساءل تقليدية و قواعد ضبطية لا تزال مقبولة إلى اليوم ، فلم يهملوا اهتمامهم بلغات العامة - و إن كان ذلك قليل - إلى جانب اهتمامهم بالفصحى لغة القرآن الكريم و الحديث النبوي ، و الشعر الفصيح .... و بوضع الخليل بن احمد أول معجم للعربية يكون قد فتح الباب لمعاصريه ، و بخاصة سيبويه ، و لمن جاء بعده ، و لا سيما أصحاب المعاجم ، فقد استقرى هذا الرجل العربية استقراءا وافيا و أحصاها إحصاءا تاما لم يستطع احد ممن سبقوه أو عاصروه أن يهتدي إلى ذلك .....و لم تكن علوم اللغة العربية منفصلة في أول أمرها و بعد أن نشطت حركة التأليف و الترجمة و ازدهرت الحياة الثقافية بدأت الدراسات تتجه نحو التخصص و أخذت العلوم العربية ينفصل بعضها عن بعض فكانت الدراسات الصوتية و الدراسات الصرفية و الدراسات النحوية
و دراسة الصيغ أمر مهم و هو ما يفسر اهتمام النحاة بها في كل باب نحوي يطرقونه ، فهي قرينة مهمة يعتمد عليها الباحث في تحديد أقسام الكلام ، و في تحديد الباب النحوي و من ثم فهي تمثل كما قال دو سوسير حجر الزاوية في اللغة و من العسير كشف حدودها ، و أكثر الصيغ اطرادا في الكلام العربي الصيغ الثلاثية مجردة كانت أم مزيدة، و ذلك لخفتها و لسهولتها على اللسان ، فحظيت باهتمام الدارسين القدماء الذين بحثوا في اللغة و الصرف و النحو غير أنها لم تفرد عند الكثير منهم بأبحاث خاصة ، بل نجدها متناثرة هنا و هناك في ثنايا الكتب ، و كثرة الصيغ الثلاثية من سمات اللغات السامية .....و هو ما جعلها أكثر دورانا على الألسنة يؤيده تفضيل الشعراء و الكتاب لها على غيرها فكثرت في شعرهم و نثرهم و خطبهم..... و قد درس القدماء الاشتقاق و تطرقوا له منذ ان بدؤوا يبحثون في اللغة و لذلك فقد رافق الاشتقاق اللغة العربية منذ باكورة الدراسات اللغوية ، و لم يكن له في بادئ الأمر قواعد محددة ، اذ انه لم يكن يتعدى أخذ كلمة من كلمة أخرى لاشتراكهما لا في المادة الأصلية ، و العرب يلجأون إلى الاشتقاق متى احتاجوا إليه في التعبير عن الألفاظ او الأفكار الجديدة ، متنوعة البني متقاربة المعاني فهو من اكبر وسائل تنمية الألفاظ سواء في اللغة العربية أو في اللغات الاشتقاقية الأخرى".
و هذا التقسم المفصل للكتاب :
** مقدمة:
** التمهيد:
الاشتقاق مفهومه و أصوله
اقسام الاشتقاق
أولا: عند القدماء.
ثانيا: عند المحدثين.
** الفصل الأول: اسم الفاعل.
تمهيد.
أولا: اسم الفاعل من الثلاثي المجرد.
ا – علاقته بابواب الفعل:
دراسة الأبواب الستة.
اا- صحته و اعتلاله.
1- الصحيح:
أ- السالم.
ب- المهموز.
ت- المضعف.
2-ا لمعتل:
أ- المثال.
ب- الاجوف.
ت- الناقص.
ث- اللفيف.
3 – تعدد المعنى الوظيفي للصفة.
ثانيا: اسم الفاعل من الثلاثي المزيد.
1- المزيد بحرف:
- مفعل.
- مفعل.
- مفاعل.
2- المزيد بحرفين:
- مفتعل.
- متفعل.
- منفعل.
- متفاعل.
3- المزيد بثلاثة أحرف:
- مستفعل.
ثالثا: من الرباعي المجرد:
- مفعلل.
رابعا: من الملحق بالرباعي.
- مفيعل.
** الفصل الثاني: اسم المفعول:
- تمهيد.
أولا: اسم المفعول من الثلاثي المزيد.
1 – المزيد بحرف.
- مفعل.
- مفاعل.
- مفعل.
2 – المزيد بثلاثة أحرف:
- مستفعل.
ثالثا : من الرباعي المجرد:
- مفعلل.
** الفصل الثالث: صيغ المبالغة:
- تمهيد.
1 – صيغة فعيل ( فتح الفاء و كسر العين ).
2 – " فعال.
3 - " فعول.
4 - " فيعول.
5 - " فعيل ( كسر الفاء و كسر العين المشددة).
6 - " مفعيل.
7 - " مفعال.
8 - " فعلان.
** الفصل الرابع: الصفة المشبهة.
- دراسة جميع الصيغ المعروفة.
** الفصل الخامس: أفعل التفضيل.
- تمهيد.
1 - أفعل التفضيل المجرد من ( ال).
2 – المحلى ب ( ال).
3 – المضاف:
أ – المضاف إلى معرفة.
ب – المضاف إلى نكرة.
4 – المذكور فيه ( من ) الجارة للمفضول.
5 – المحذوف فيه ( من ) الجارة للمفضول.
6 – أفعل التفضيل على غير بابه.
** الخاتمة.
و هذا موجز لبعض الفصول، و نقل كامل للخاتمة.
الفصل الأول: اسم الفاعل:
قدم له بتأسيس نظري بين فيه كيفية اشتقاقه و اختلاف العلماء في تعدد أوزانه مع تقديمه لإحصاء عام لكل أسماء الفاعلين في السور و ترتيبها بحسب تواترها فيها ثم تقسيمها ( أي أسماء الفاعلين ) وفق أبواب الفعل المعروفة و إجراء موازنات بينها لمعرفة مدى تواتر كل باب مع ذكر السبب و تعليل ذلك من منظور الدراسات الصوتية الحديثة ، ثم دراستها من حيث التجرد و الزيادة و الصحة و الاعتلال مدعما ذلك بالنسب المئوية.
و هذه بعض الأمثلة على ذلك :
- اسم الفاعل من الثلاثي المجرد :
" علاقته بأبواب الفعل :
باب فعَل يفعُل:
ورد اسم الفاعل من هذا الباب مائتين و خمسا و عشرين ( 225 ) مرة تتوزع كالتالي:
- سبعين ( 70 ) مرة في سورة البقرة : الكافرين ، صادقين ، للكافرين ، خالدون ، الصالحات ، الفاسقين ، القواعد ، كافر ، بالباطل ، صالحا ، الناظرين ، بغافل ، خالصة ، الفاسقون ، بضاربين ، كفارا ، قانتون ، الطائفين ، العاكفين ، السجود ، الصالحين ، عابدون ، شاكر ، كفار ، خالدين ، بخارجين ، عاد ، الداعي ، عاكفون ، الحكام ، حاضري ، كاملة ، كافة ، كاملين ، قانتين ، الكافرون ، بآخذيه ، أنصار ، كاتب ، حاضرة ، كاتبا؟
- إثنين و خمسين ( 52 ) مرة في في سورة آل عمران.
- أربعون ( 40 ) مرة في سورة النساء.
- أربع و ثلاثين ( 34 ) مرة في سورة المائدة.
- تسع و عشرين (29 ) مرة في سورة الأنعام.
يتبين مما سبق أن تواتر اسم الفاعل من هذا الباب يمثل في سورة البقرة أعلى نسبة ب 31،11 بالمائة من المجموع العلم تتلوها سورة آل عمران بنسبة 23،11 بالمائة ، فالنساء ب 17،77 بالمائة ، فالمائدة ب 15،11 بالمائة فالأنعام ب 12،88 بالمائة.
و قد مثلت المشتقات من الأفعال المعتلة بكل أنواعها نسبة 13،21 بالمائة ، و هي نسبة ضعيفة ، إذ تمثل ثمن المجموع العام تقريبا ، وهو ما يؤكد غلبة المشتقات من الصحيح .
و ما دام الأصل في الأبواب الستة التي ذكرها الصرفيون للفعل الثلاثي المجرد مع المضارع هو السماع ، فإننا لا نستطيع أن نتأكد من ضبط عين المضارع إلا بالرجوع إلى المعاجم العربية ، فقد نجد عين الماضي مفتوحة ، و في مضارعه تحتمل أكثر من حركة ".
" .......و قد أشارت كتب اللغة إلى الخلط بين الأبواب ، بل على مستوى الباب الواحد، و هو ما يوحي بان الأفعال في عصور ماضية لم تكن على نمط من التصنيف التام ، و يكفي العودة إلى أدب الكاتب لابن قتيبة لملاحظة عدم ضبط الأفعال على الصورة التي ذكروها في الأبواب الستة ، كما ذكر ابن سيدة كثيرا من هذا في المخصص.
.... و يبدو أن ظهور حركة ما ، على عين الفعل الثلاثي ليس ظهورا اعتباطيا ، بل أن هذه الحركة تعبر عن علاقة الفعل إما بالفاعل (sujet) أو بغرض الفعل (objet) و هذا على درجات متفاوتة ، و قد يكون السبب في ظهور أو تحديد الأبواب المعروفة في اللغة العربية / كسر ، فتح / ضم ، كسر/ فتح، كسر / كسر ، ضم / ولبعض هذه الأبواب علاقة بدلالة معينة غالبة.
.... و كثرة تواتر اسم الفاعل من ( فعَل، يفعُل) راجع الى تعدد دلالات فعله و تنوعها منها ما بتعلق بالجانب الفيزيولوجي ، و منها ما يتعلق بالجانب البيولوجي ، و منها ما يتعلق بالجانب النفسي البسيكولوجي ، وآخر بالجانب الفيزيائي ، و هي دلالات شاملة لمعظم ما يتعلق بالإنسان و بغيره ظاهرا و باطنا ، حسيا و معنويا".
2 – صحته و اعتلاله :
أ ) السالم : بعد أن أورد إحصائية لاسم الفاعل من الصحيح السالم على الأوزان المعروفة قال : " مما هو جدير بالملاحظة أن ما جاء من ( فَعَل ) أكثر المشتقات تواترا ، لأنه يدل في الغالب على الحركة و العمل ، كما أن أفعال هذا الباب من أكثر الأفعال تصرفا في العربية ، اذ يتوزع على حركات ثلاث في مضارعه : ( يفعل: يرفع العين ، يفعل: بكسرها ، يفعل : بفتحها)
و احتلال الفتحة المرتبة الثالثة مرده إلى سبب صوتي ، و هو تقيده بحرف الحلق إذ الغالب على ( فعل : بفتح العين ، و يفعل : بفتحها أيضا ) أن يكون حلقي العين أو اللام ، وهو أمر شعر به القدماء منذ أمد بعيد.
و لما كانت الحروف الحلقية تحتل حوالي ربع الحروف العربية، فالمنطق أن نجد ما كان من ( فعل : بفتح العين ، يفعل:بفتح العين)
أكثر تواترا ، الا أن النتيجة عكسية ، فهو لا يمثل إلا 10 في المائة بالنسبة إلى المجموع العام ، بينما يمثل ما كان من ( فعل: فتح العين ، يفعل : ضم العين ) نسبة 68،57 من المجموع العام. و يمثل ما كان ( فعل: فتح العين، يفعل: كسر العين ) نسبة 22،85 بالمائة ، هذا إذا حذفنا العدد الذي تحتمل عين المضارع أكثر من وجه.
فإذا عددنا ذلك وجدنا اكبر نسبة هي التي تشترك فيها الضمة مع الفتحة و هي 7،85 بالمائة ، بينما تمثل النسبة التي تشترك فيها الضمة مع الكسرة 5،71 بالمائة ، بينما تمثل النسبة التي تشترك فيها الفتحة مع الكسرة 0،35 بالمائة ، و إذا جمعنا النسب المشترك فيها بين الحركات إلى النسب المنفرد فيها، وجدنا دائما أن ما جاء على ( فعل: يفتح العين ، يفعل : بفتحها) يحتل المرتبة الثالثة ، وهو ما يؤكد أقوال العلماء من أن (فعل: بالفتح، يفعل: بالفتح) ليس بناءا أصليا ، و إنما هو من ( فعل: بالفتح ، يفعل: بالكسر) و قد فتح لسبب صوتي قصد التخفيف.
حتى و إن سلمنا جدلا بأنه منقول من ( فعل: بالفتح ، يفعل: بالكسر) و جمعنا نسب التواتر المنفرد فيها و المشترك فيها ، وجدنا ان اكبر نسبة تعود دائما إلى ما كان من ( فعل: بالفتح ، يفعل: بالضم ) و هو ما يؤيد تصنيف العلماء له في المرتبة الأولى، وقد أكدت الدراسات القرآنية ذلك.
أما حالات الاشتراكي الحركي ، فإنها تمثل حالة طبيعية نظرا إلى الخلط الذي نجده في الأبواب ، و إلى الحيرة التي انتابت العلماء ، و هذا راجع إلى أنها سماعية لا تخضع لقاعدة عامة مطردة و مضبوطة ، كما أن الناس جبلوا على استعمال المطرد دون غيره دون أن ننسى أن الاستعمال نفسه يسمح بحركتين في الوقت نفسه
و بخاصة الضمة و الكسرة ، زيادة على أن النصوص التي جمعت كانت في غالبيتها غير مشكولة، و أخذت من قبائل متعددة.
و ما يجلب الانتباه أيضا الضعف الكبير في اشتراك الفتحة و الكسرة، فقد ورد مشتق واحد، وسبب صوتي واحد، وهو أن الفتحة مقيدة بحرف الحلق، مما يجعل وجود الكسرة معها أمرا شاذا.
...... نستنتج من كل هذا:
- إن المشتقات من (فعل: بالفتح ، يفعل: بالضم ) أكثر اطرادا ، و السبب أن اللغة العربية تميل إلى إبدال حركة عين الماضي بحركة قريبة منها في المضارع ، و لهذا نجد فعل( بالفتح ) في الماضي يقابله ( يفعل : بالضم ) في المضارع بكثرة ، لأن مخرج الضمة أقرب إلى مخرج الفتحة من الكسرة.
- انعدام المشتقات من ( فعل: بضم العين) في السور يعود إلى أن حركته في المضارع لا تتغير لأنه لا يدل على قيام الفاعل بالفعل ، و إنما يدل على الاتصاف، كما أن الضمة تجعل الفعل ثقيلا ، ضعيف التصريف ، و قد يفسر ذلك ميل بعض العرب إلى إسقاط ضمة العين ، و نطقه ( فعل: بفتح الفاء و سكون العين).
- الميل إلى تغيير الحركات في العربية يخلق الانسجام، و هي ظاهرة معروفة في الصرف العربي و لافتة للانتباه.
و هذا التغيير و التنوع الحركيان نجدهما حتى على مستوى الفعل الواحد أي على مستوى المادة الاشتقاقية ، و كل ذلك لضرب من المعاني المختلفة ، فلو أخذنا على سبيل المثال ( الحاسِبِينَ) يكون بمعنى ( العَادِين) ، الذين يعدون أعمال الناس و تصرفاتهم إذا كانت من (حسب:بفتح السين ، يحسب: يضم السين) و بمعنى ( ظن) إذا كان من ( حسب: بكسر السين ، يحسب : بفتح السين ، أو يحسب: بكسر السين ) ، قال تعالى: { فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} النمل 44 ، و قال تعالى : { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ } النور 15 ، و قال تعالى : { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } الهمزة 3 ، كذلك ( بارئ ) فإن قصد به الدلالة على الخلق كان من ( بَرَأَ يَبْرُؤُ) أي ( فَعَلَ يَفعُل) ، وإن قصد به الشفاء من المرض و من غيره جاء من ( بَرِئَ يَبْرَأ ) أو ( بَرَأ يَبْرَأ و يَبْرُؤ) [ و علق قائلا في الهامش : غالبا ما يأتي على ( فعيل) أي ( بريء)]
أي على ( فعِل يفعَل) أو (فعَل يفعَل و يفعُل).
-أما طغيان مشتقات ( فعَل يفعُل ) فيعود إلى دلالة هذا الباب على القيام بالفعل و العمل بصورة متكررة ، و أن هذا العمل غالبا ما يكون اختياريا إراديا ، و السر في ذلك تحقيق مسؤولية الإنسان عن أعماله.
- أما ما كان من (فعِل يفعَل) ، فإنه غالبا ما يدل على حالة مؤقتة ، أو على فعل يقع على مستوى الحواس أو الذهن أو الجسم أو العواطف.
• و عالج في الفصل الثاني اسم المفعول بنفس الطريقة التي سلكها مع اسم الفاعل ، لكن من دون ذكر أبواب الفعل ، لأن اسم المفعول يشتق مما لم يسم فاعله ، و له وزن واحد ( مفعول ) من الثلاثي المجرد ، و من دون ذكر النسب المئوية ، تفاديا كما قال للتكرار من ناحية ، و رغبة في التنويع من ناحية ثانية.
• درس في الفصل الثالث صيغ المبالغة بإتباع الطريقة نفسها في الفصلين السابقين مع التركيز على دراستها بحسب صيغها المحصاة في السور ، فكان يعرف بكل صيغة ثم يذكر عدد تواترها في السور ثم اختار عينات منها درسها ضمن السياق الذي وردت فيه.
• الفصل الرابع درس فيه الصفة المشبهة متبعا نفس الطريقة التي سلكها في الفصل الثالث مع صيغ المبالغة بالإضافة إلى عرض للصيغ المشتركة بينهما ، و الصيغ التي تحتمل الدلالة على المبالغة أو على الصيغة المشبهة و التي تحتمل المصدرية ، مع إيراده لأقوال النحاة و المفسرين في ذلك ( سيبويه، الزمخشري ، ابن خالوية ، المبرد ، ابن جني ، العكبري، أبو حيان ، ابن عطية ابن الحاجب ، العلايلي ، الأزهري ، الطاهر بن عاشور ، ابن عصفور ...الخ)
مع إبداء أرائه و الاحتكام الى ما يراه أكثر إقناعا.
الفصل الخامس خصصه لدراسة أفعل التفضيل و فق الحالات المعروفة : المجرد من ( ال ) ، و المحلى ب (ال) ، و المضاف و المحذوف منه ( من ) الجارة للمفضول ، و المذكور فيه ( من ) ، و افعل التفضيل على غير بابه.
الخاتمة: سرد فيها أهم النتائج المتوصل إليها في الدراسة و ها أنا أنقلها كما هي بنصها للفائدة:
" - بعد دراسة المشتقات في الربع الأول من القرآن الكريم ، و بعد استعراض آراء النحاة و أئمة اللغة و المفسرين ، و في ضوء المناقشات المتنوعة التي شملت الإحصاء و الوصف والمقارنة والتحليل والتعلل، توصل الباحث إلى نتيجة عامة مفادها أنه على الرغم من تعدد أبنية المشتقات وما يقابلها من تعدد كبير في الأمثلة والمعاني، فإن القرآن يمثل بحق الصورة المثلى للغة الأدبية التي تذوب عندما الفوارق اللهجية.
أما باقي النتائج، فمن أهمها ما يلي:
1- تنوعت صيغة ( فاعل) في السور، فجاءت مقصودا بها الرتبة والعدد واسم الذات واسم المعنى والصفة، وأكثرها اطرادا ما كان صفة، لما لهذه الصيغة من الدلالة على الحدث وصاحبه توكيدا لقاعدة منطقية أنه لا فعل من دون فاعل، ولا فاعل من دون فعل.
2- استعمل القرآن مشتقات جاءت من أفعال شذت عن القاعدة التي تقول: إن الفعل إذا كان حلقي العين أو اللام جاء على (فعَل يفعَل) وجاءت على الأصل، من ذلك بَازغ وقَاعِد وبَالِغ.
3- يعدل القرآن أحيانا عن صيغة فعلية إلى صيغة اسمية لضرب من البيان كعدوله عن المضارع إلى اسم الفاعل في الآيتين (134) من سورة آل عمران و( 142 ) من سورة النساء، ليفيد أن الفعل يفيد التجدد، وأن الاسم يفيد الثبوت.
4- تبين، بعد الموازنة بين بابي (فعَل يفعَل) و( فعَل يفعِل) ، أن أكثر أسماء الفاعلين كان من الأول، إذا يكاد يمثل ضعف الثاني، والسبب في ذلك أن العربية تميل إلى مقابلة حركة عين الماضي بحركة قريبة منها في المضارع، لذا نجد (فعَل) في الماضي يقابله في أغلب الأحيان (يفعُل) في المضارع، لأن مخرج الضمة أقرب إلى مخرج الفتحة من مخرج الكسرة، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية أن هذا الباب يدل على القيام بالفعل بصورة متكررة، وأن العمل غالبا ما يكون اختياريا إراديا، والسر في ذلك- فيما يبدو- تحقيق مسؤولية الإنسان عن أعماله، كل هذا يدعونا إلى التحفظ من أقوال من ذهب إلى أن البابين متساويين في التواتر، ومن أقوال الذين ذهبوا إلى اطراد (فعَل يفعِل) أكثر من (فعَل يفعُل) لخفة الكسرة.
5- أكثر الجموع التي جاء عليها اسم الفاعل جموع تصحيح، وهو ما يؤكد أقوال العلماء بأن الصفات أقرب إلى الأفعال منها إلى الأسماء، وأن اسم الفاعل أقرب الصفات إلى الأفعال.
6- كلما زادت حروف الكلمة قل استعمالها، فأكثر المشتقات ورودا في السور ما كان من الثلاثي المجرد، إذ هو أعدل الأصول تركيبا وأكثرها استعمالا، ثم ما كان من المزيد بحرف، فالمزيد بحرفين، فالمزيد بثلاثة أحرف، فالرباعي فالملحق به.
7- أغلب مشتقات المزيد تواترا في السور المزيد بالهمزة، وأن هذه الأخيرة تفيد التعدية في أكثر معانيها، وهو ما يؤكد النتيجة التي توصل إليها عبد الخالق عضيمة في دراسته لأسلوب القرآن الكريم أن أكثر المزيدات شيوعا في القرآن المزيد بالهمزة.
8- مثلت مشتقات المزيد، في السور، أغلب معاني صيغ الزيادة في اللغة العربية: التعدية والتكثير والجعل والصيرورة والمطاوعة والاتخاذ والمشاركة والتكلف والتعمل والطلب ومعنى المجرد، ومعنى فَعَل (بتشديد العين ) وتَفَاعَلَ واسْتَفْعَلَ.
9- يعمد القرآن الكريم أحيانا إلى إحلال صيغ محل أخرى، كوضع المشتق موضع الجامد والعكس، ووضع المشتق موضع المشتق، والمجرد موضع المزيد والعكس.
10- جاء أكثر المشتقات فواصل قرآنية متناسقة المقاطع، بل ومتطابقتها في أغلب الأحيان، فمعظمها مبني على مقطع واحد، من نوع الطويل المغلق [ ص ح ح ص] ( أي صحيح +حركة طويلة + صحيح) – وهذا في حالة الوقف طبعا- وهو ما يجعل فواصل السور نسقا متحد البناء عذب الإيقاع، كما ينتهي معظمها بنون أو ميم مسبوقتين بحرف في المد الواو أو الياء، وفي ذلك حكمة، فالميم والنون من أكثر الحروف ارتباطا بالصوت فيما نشاهد ونتكلم، ولهما رنين ونغم شجي تعشقه الأذن وتلذه النفس، بالإضافة إلى ما بينهما من تآخ وارتباط في الصفات الصوتية كالهجر والذلاقة والغنة، كما أن حروف المد-زيادة زيادة على ما بينها من تقارب- تعطي الفاصلة قيمة سمعية كبرى، فتزيد إيقاع الفاصلة وضوحا. فالتبادل إذا قائم بين الميم والنون، كما هو قائم بين الواو والياء، وهو ما بنيت عليه معظم المشتقات الواقعة فواصل. ومراعاة القرآن للتوافق بين الفواصل ووجود مد سابق لحرف الفاصلة يؤكد مجيء القرآن وفق فطرة العرب، فهم امة تسمع أكثر مما تكتب فلا غرابة إذا أن يأتي بالصورة الصوتية المسموعة، وفيه تقفية وموسيقى، والعرب أمة شعر وذوق.
11- ذكر العلماء أن وصف جمع ما لا يعقل يكثر مجيئه بصيغة المفرد المؤنثة، ويقل بصيغة الجمع، وقد استعمل القرآن كلتا الصيغتين أياما معدودة وأياما معدودات و أشهر و أشهر معدودات، والوصف بالجمع يعد من باب مقابلة الجمع بالجمع مجازا.
12- يعبر القرآن أحيانا عن اسم جامد بآخر مشتق يشتمل على صفة من صفاته ، و ذلك يؤدي في كثير من الحالات إلى تعدد الاحتمالات الدلالية للاسم الجامد ، و الابتعاد عن التقرير المباشر يعطي الإنسان مجالا لإعمال فكره و إنعام نظره ، كما يكتسب التعبير ثراء و غنى.
13 – يستعمل القرآن ن الكريم أحيانا ( المُفَاعَلَة) غير دالة على المشاركة ، و إنما تدل على أن الحدث صار من طرف واحد و أن الفعل وقع على شئ من نحو ( أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً).
14 – يطلق القرآن الكريم بعض الشئ على كله ، و يصف ما ليس جمعا في الحقيقة بالجمع فيغلب أكثر الزمان على أقله ، من ذلك قوله تعالى :{ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَات } فحقيقة الحج شهران و بعض من الشهر الثالث ، و العرب يطلقون الجمع على التثنية ، إذا كانت التثنية أقل من الجمع.
15 – أغلب ما تأتي له النكرة في القرآن الكريم ما يفيد العموم و الشيوع ، و قد تأتي أحيانا لمعان أخرى يتطلبه المقام ، كالتقليل و التكثير و الإيضاح و الإبهام و النوع و الاستغراق و التعظيم و التحقير ...
16 – تشتق الصفة أحيانا ، من مادة موصوفها ، عند إرادة التوكيد و الكثرة و تحميل العبارة دلالية إضافية نحو : { وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَة }.
17 – أكدت الدراسة أقوال العلماء بان ( فَعِيل) ليس أصلا للمبالغة، فمعظم ما جاء على هذا الوزن يفيد المبالغة ، لكنه بمعاني صيغ أخرى نحو:
( فاعِل ) كرحيم و عليم و سميع.
(مَفْعُول) كحميد ، و رجيم .
( مُفْعِل) كحسيب و خبير ، و نذير و أليم.
( مُفَاعِل) كحفيظ و خصيم ، و شريك و قرين.
(مُفَعِل) كبشير.
18 – أشار العلماء إلى أن أكثر صيغ المبالغة القياسية تواترا في كلام العرب ( فَعُول و فَعًال و مِفْعَال) بهذا الترتيب ، و قد أكدت الدراسة جزءا من هذا.
19- أكثر الصيغ اقترانا بعضها ببعض صيغتا ( غفور و رحيم ) فاغلب الآيات التي تذكر فيها صيغة غفور تردف برحيم، و قد بينا ذلك في الدراسة.
20 – تقل الصيغة المشبهة من ( فعَل) إذا قيست بما جاء من ( فعِل) و (فعَل) التعدية لا اللزوم ، و الصفة المشبهة تأتي من اللازم إلا فيما ندر، كما أنها قليلة في ( فعِل) بالمقارنة مع ( فعُل)، لأن الأولى يغلب في العيوب و الأدواء و الحلي و الأحزان ، و هي قليلة نسبيا في القرآن الكريم ، بينما يغلب الثانية في الغرائز و الطبائع و أنواع السلوك الأخرى ، و هي كثيرة في القرآن الكريم ، لأنه كتا بهداية و تقويم و تربية بالدرجة الأولى.
21 – أغلب الجموع التي جاءت عليها الصفة المشبهة جموع تكسير ، و ذلك لقلة مضارعة الصفة المشبهة للفعل ، فكلما قلت مضارعة الصفة المشبهة للفعل قربت من الجوامد و جمعت جمعها و العكس صحيح.
22 – إذا أريد التدليل على مطلق المعنى ، جئ بالصفة مستغنية عن موصوفها ، و أجريت مجرى الأسماء ، كالباطل و الحسنة و الفاحشة و المنكر و المعروف و الطيبات و البينات .....
23 – قد تأتي ألفاظ على غير المألوف في القاعدة اللغوية، و ذلك لأسباب لبلاغية و دلالية يتطلبها المقام ، من ذلك استعماله كلمة ( أشد ) مع كلمتي ( قسوة و حبا ) مع أنهما يمكن أن يبنى من كل منهما أفعل التفضيل.
24 – أكدت الدراسة أقوال العلماء بان الله سبحانه و تعالى كثيرا ما ذم ( الأكثر ) في القرآن الكريم ، فهو في غالبا ما يقال للذين يتبعون أهواءهم ، و كل الآيات تدل على التي ورد فيها (الأكثر ) تدل على الكمية العددية ، وهذه الكمية مذمومة إما بعدم الإيمان ، و إما بعدم الشكر ، و إما بعدم العقل ، و إما بالجهل و إما بالفسق,
25 – يستعمل القرآن الكريم أفعل التفضيل على غير بابه نحو قوله تعالى:{ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59 ، و (أَحَقُ) في قوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً }البقرة228
26 – ورد في القرآن الكريم صيغ على غير قياس نحو: فقير من أفتقر، و شديد من أشتد، و كهل من اكتهل، و نذير من أنذر، و بشير من بشر ( بتشديد الشين ).
27 – خلو المشتقات من المثال البائي يعود إلى قلته في اللغة العربية، و لذلك لم نجده في السور المدروسة" ا.هـ.